[b]
مخطوطات من زمن دوله الخلافه العثمانيه...
لقد اهتَمَّ سلاطينُ وخُلفاءُ وأُمراء آل عُثمان بالعِلم والعُلماء، والكُتُب
والكُتّاب والمكتبات، فأثمرَ ذلك الاهتمام الحضاري العثماني ما يوجد حالياًّ
في تركيا من المخطوطات الإسلامية التي تغطي مُعظم أنواع العلوم والمعارف،
"وإذا صرفنا النظر عن الأوراق والدفاتر المحفوظة في دُورِ الأَرْشِيف، نستطيع
أن نقدر عدد المخطوطات الموجودة في مختلف أَنْحَاء تركيا بـ 250,000 مجلد.
كما نستطيع أن نقول بالشكل التقريبيّ إن أكثر من 160,000 مجلد من هذه
المخطوطات هي باللغة العربية، وحوالي 70,000 مجلد باللغة التركية، وإن أكثر
من 13,000 مجلد باللغة الفارسية، ويوجد في إستانبول" حوالي: 146,000 مجلد من
مجموع هذه المخطوطات التي تقدر بـ 250,000 مجلداً، ويوجد في تركيا عدد من
المخطوطات المكتوبة باللغات اليونانية، والأَرْمَنِيَّة، والسُّرْيَانِيَّة،
واللغات الأُخرى.
ويتبين لنا من خلال استقراء التاريخ أنَّ المكتبات الإسلامية العثمانية قد
نشأتْ في الأناضول وبورصة وأدرنة وإسلامبول وسراي ايفو، وباقي مدن ديار
الخلافة العثمانية بمواجهة المكتبات الإيلخانية والتيمورية في أيران وما
حولها، وورثت المكتباتُ العثمانية مخطوطات من المكتبات الأموية([1])،
والمكتبات العباسية([2])، والمكتباتِ السلجوقية والأرتقية ثم المملوكية، وقد
بدأ ازدهارُ المكتبات العثمانية مع استقرار العثمانيين منذ بداية سلطنة عثمان
الأول سنة 699 هـ/ 1299م، وازدادت ازدهاراً بعد فتح بورصة محطَّ رِحالِ
العلماء عشيةَ وفاة عثمان الأول سنة 726 هـ/ 1326م، ثم فتح مدينة إزنيك
"نيقية" وافتتاح مدرستها العالية، بإدارة الشيخ داود القيصري القرماني، ثم
تاج الدين الكردري، وعلاء الدين الأسود وغيرهم، ثم تطورت المكتبات العثمانية
في مدينة أدرنة في عهد السلطان الشهيد مُراد الأول ت 791 هـ/ 1389م، حيثُ
ازدهرت المكتباتُ الحكومية والمكتبات الخاصَّة كمكتبة الشيخ شمس الدين
مُحمَّد بن حمزة الفَنَارِي، وغيرها من مكتبات العُلماء العثمانيين.
ولم تقتصر مُحتويات المكتبات العثمانية على المخطوطات القديمة بل ضمّت ما
أُلِّف وتُرجم بناء على طلب السلاطين العثمانيين، وما كُتب برسم
مُطالعتهم([3])، وأصبحت المكتبات العثمانية مكتبات عالمية في عهد محمد
الفاتح([4]) الذي شجَّعَ العُلماء على التأليف، وشجَّع المترجمين على
الترجمة، والنُّسَّاخَ على استنساخ المخطوطات، واقتفى أثرَهُ ولدُهُ أبايزيد
الثاني، وحفيدُه سليمُ الأول الذي ورِثَتْ في عَهْدِهِ المكتباتُ العثمانيةُ
بعضَ مخطوطاتِ المكتباتِ المملوكيةَ([5]) فحصَلَتْ نقلَةٌ نوعِيَّةٌ في
تطوُّر المكتبات العثمانية، ثم بلغت الذُّروةَ في عهد الخليفة سُلَيْمَاْن
القَانُوْنِيّ([6])، ولكنَّ المخطوطات الإسلامية التي كانت موجودةً في عراق
العرب وعراق العجم قد تعرَّضت لنكبةٍ كُبرى على يديّ الشاه إسماعيل الصفوي
التركماني المشهور بقتل المشايخ وحَرْقِ كتُبِهم، واستباحة الْحُرُمات.
ولما بَنَى المعمار سِنَان بن عبد المنّان، مُجمَّعَ السُّلَيْمَانِيَّة،
للسُّلطان سُلَيْمَاْن القَانُوْنِيّ ضَمَّنَهُ الجامع والمكتب والمدارس ودار
الحديث والكلية الطبية والمكتبة وغير ذلك من الملحقات، وبرزت مكتبة
السُّلَيْمَانِيَّة التي لبَّتْ حاجة العلماء والطلبة، وأُضيفت إليها
مُؤلفاتُ العُلماء الذين درَّسوا في جامع السُّلَيْمَانِيَّة ومدارسِها، ولم
تتوقَّف حركة إثراء المكتبة بالمخطوطات بل استَمَرَّت في عهود الخلفاء
العثمانيين الذي جاؤوا بعد أمير المؤمنين سُلَيْمَاْن القَانُوْنِيّ،
والوقفياتُ تؤكِّد لنا أن السلطان محمود الأول قد افتتح رسمياًّ مكتبة
آياصوفيا([7]) سنة 1153 هـ/ 1740م، وافتتح مكتبة الفاتح([8]) سنة 1155
هـ/1742م. وأضاف إلى مجموعة السُّلَيْمَانِيَّة أكثرَ عددٍ من المخطوطات
الموقوفة فيها في إطار خطته التي رَمَت إلى تأسيس المكتبات في كافَّةِ بُلدان
الخلافة الإسلامية العثمانية، وقد شَكَّلَتْ هذه المجموعة من المخطوطات مع ما
سَبقَها نَوَاةَ مجموعة السُّلَيْمَانِيَّة الموجودة في مكتبة
السُّلَيْمَانِيَّة في الوقت الحاضر.
ومن أبرز المجموعات الأخرى التي أضيفت إلى مجموعة السُّلَيْمَانِيَّة هي تلك
المخطوطات التي تَمَّ وقفُها على يدِ الشيخ مُحمَّد بن محمود الطربزوني
المدني ت 1200 هـ/ 1786م. والفراش الرابع السَّيِّد الحافظ الحاج مُصْطَفَى
أفندي، والشيخ حسن أفندي القنوي ومُحَمَّد بن أخي مُحَمَّد القنوي. وغيرهم من
أهل الخير، ولم تتوقف حركةُ وقفِ الكتب في مجموعة السُّلَيْمَانِيَّة على
الكُتُب المخطوطة بل استَمَرَّت في عصر الطباعة حيثُ وُقِفَ العَديدُ من
الكتب المطبوعة أيضاً.
المخطوطات القديمة في مكتبة السُّليمانية
لم يبقَ في مكتبات التراث الإسلامية وغير الإسلامية من ملايين المخطوطات
الإسلامية القديمة سوى أقلّ من ألف مخطوطة مِمَّا كُتب خلال الخمسمائة سنة
التي أعقبت الهجرة النبوية، وتوجد من تلك المخطوطات القديمة أربعون مخطوطةً
معروفةً في إطار مجموعات مكتبة السُّلَيْمَانِيَّة، ومنها: مخطوطة «كتاب
المأثور في اللغة» لأبي العَمَيْثِلْ الأعرابي ت 240هـ/853م([9])، ومخطوطة
كتاب «المدخل في علم أحكام النجوم» لأبي معشر البلخي ت 272هـ/ 886م([10])،
ومخطوطة كتاب «دقائق التصريف» لأبي القاسم بن محمد بن سعيد المؤدِّب معاصر
أبي زيد البلخي، وقد ألف كتابه سنة 338هـ/ 949م([11])، ومخطوطة «مراثٍ
وأشعار» لأبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي ت 310هـ/ 933م([12])، ومخطوطات
كتاب «الحجّة في القراءات السبع» لأبي علي الفارسي([13]). ومخطوطة «أدب
الكاتب» وهي بخط العباس بن أحمد بن موسى بن أبي موّاس ت 396 هـ/ 1005م([14]).
ومخطوطة «ديوان الأدب» لإسحاق بن إبراهيم الفارابي، وهي بخطّ عليّ بن آرْسلان
سنة 391 هـ/ 1000م([15]). ومخطوطة «علل الحديث ومعرفة الرجال([16])» لإمام
أحمد بن حنبل، وهي بخط محمد بن الصواف ت 349 هـ/ 960م، ومخطوطة «مناقب الإمام
الشافعي([17])» لمحمد بن الحسين السجستاني ت 363 هـ/ 973م، ومخطوطة «أخبار
أبي تمّام([18])» لأبي بكر الصولي ت 335 هـ/947م، ومخطوطة «أدب الكاتب
([19])» لابن قتيبة الدينوري ت 276 هـ/ 889م.ومخطوطة «الحجة في شرح القراءات
السبع لأبي بكر بن مجاهد([20])» الشارحُ أبو علي الفارسي ت 377 هـ/ 987م.